من أبجديات العمل الصحفي في كل الأقطار والأمصار عبر العصور والأزمان أنه يخضع لأخلاقيات وأطر وحدود وعلامات حمراء. غير أن العلامات الحمراء الوحيدة التي يراها هؤلاء هي تلك التي ترمز إلى الحزب الحاكم. الحزب هو المنطقة الحمراء التي لا يجوز لمسها أو الإقتراب منها، أما ماعدا ذلك، فكل شيء مسموح به حتى وإن كان ذلك قذفا وتشهيرا وسبابا علنيا.
هؤلاء يعتبرون تونس حبسا لإعلامهم الرديء ورهينة لـ"تحاليلهم" و"آرائهم" وأن الرأي العام يتشكل بفضل ما يقولونه. يحسبون أن التونسي سيدي تاتا وأنه يجدّ عليه كل شي. يحسبون أنهم بسكوتهم يستغفلوننا في حين أنه يكفي الإطلاع على مصادر خبر أخرى حتى نعرف حقيقة أكاذيبهم. يحسبون أن تواطؤهم مع الفساد سيتواصل إلى مالانهاية. هؤلاء مقتنعون إلى حد النخاع بما يلي:
ـ إن التوانسة بعددهم وتعدادهم غير قادرين على تمييز الحق فيما يقوله الصحافيون. فاكذب كما تشاء وقل ما شئت طالما لم تلمس المناطق الحمراء.
ـ إن التوانسة لا يستحقون الحرية والديمقراطية ويجب أن يبقوا على الحال الذي هم فيه. إنك تستطيع بمقال تسب فيه وجوه المعارضة أن تثبت أن حرية التعبير حقيقة وواقع في حين أن الحرية التي تمارسها هي حرية الثلب وحرية المزايدة على خطاب السلطة حتى ثتبت أنك ملكي أكثر من الملك.
ـ إن أبناء الشعب الكريم من عملة وموظفين وفلاحين يستحقون أن يصبحوا دكاترة ومحامين وأطباء بشرط ألا يحركوا المياه الراكدة وبشرط أن يؤدوا فروض الطاعة والولاء لولي الأمر. إن من حقهم أن يصبحو مثقفين لكن بشرط أن يبقوا جاهلين سياسيا يقتاتون على صحافة الرخص والخسة وقلة الضمير.
لا أقول هذا من باب المغلاة أو المبالغة بل هي قناعتي استنادا على ما أقرأه منذ سنوات طويلة في صحافة تستخف بعقول القراء وتعتبر أنهم غير قادرين على رؤية الهوة العميقة بين ترهاتهم وبين ما يعايشه وما يراه المواطن كل يوم.
إلى متى سوف يواصلون الكذب؟ حتى متى يخادعون أنفسهم ويوهمون الناس أن كوادر السلطة في تونس ينحدرون من سلالة سوبرمان وأنه لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم؟ حتى متى سيضحكون على ذقوننا ويسمون خرقهم البالية صحافة؟ إلى متى ستنطلي علينا شعاراتهم الجوفاء من قبيل "تونس بخير"؟ حتى متى سنصدق أننا في تونس، على العكس من كل بلدان العالم، ليست لنا مشاكل؟ يرددون أن لنا ديمقراطية في تونس في حين أن السلطة ذاتها تتحدث عن تحول تدريجي إلى الديمقراطية لم يكتمل بعد. ومتى كانت هناك ديمقراطية في بلد لم يتعافى بعد من حقبة الحزب الواحد والوحيد؟ متى كانت هناك ديمقراطية في بلد تستقيل فيه السلطة الرابعة وتتخلى فيه عن صلاحياتها ومبادئها؟ الديمقراطية هي أن يقول الشابي أنه لن يسمح لبن علي بالترشح في 2009 وأن لا تتم مضايقته من أجل ذلك. العدالة هي أن يحاكم مجرمو سليمان بشفافية وتحت أنظار الرأي العام لا في ظل التعتيم والبلاغات الحكومية المقتضبة. الحرية هي أن يقول الجريدي وغيره "لا" للحكومة وللحزب إن كان ذلك ما يؤمنون به عن قناعة. المسؤولية هي أن يفتح محتكروا الإعلام منابرهم للشابي وغيره من "الخونة" كي يفسروا مواقفهم ويطرحوا آرائهم. التعددية هي أن أجد آراء مختلفة، بل ومتناقضة، في كل صحيفة أفتحها، لا أن أقرأ الشيء نفسه في كل الصحف.
السيد "الجريدي" ـ الذي يخجل اسمه منه ـ ينصب نفسه متحدثا باسم التوانسة! لا تتكلم باسمي من فضلك. تحدث باسمك وحدك وإن كانت لك حسابات مع فلان أو فلتان فصفها في مقهى أو حانة لا على أعمدة صحيفة. أبعد قلمك القذر عن صحافتنا التي نادرا ما نشرت ذلك الكم الهائل من الألفاظ القبيحة في صفحة واحدة: الخونة، الساقطون، الجبناء، السقوط، الدناءة، المغفل، عاهرات الماخور، البغاء السري، الشذوذ، الدناءة، الإجرام، أهل الدعارة، الدعارة، احتراف الدعارة، ماخور، امتصاص دماء الأبرياء، شعاركم الدمار، تهكما على أمة الإسلام والمسلمين، منظري الإرهاب والفساد، الجبناء، الخونة الساقطون، عليكم لعنة الله ولعنة الدين ولعنة الجماهير.
يحاول أن يستثير مشاعر الوطنية لدى القراء. نسي أن أبناء جلدته يضحون بالغالي والنفيس من أجل فيزا إلى أرض العكري، نسي أنه هو وأمثاله يرددون علينا أغنية تونس التي يطيب فيها العيش في حين يغادر الآلاف كل سنة يبحثون عن عيش كريم عند أهل الكفر ومستعمري الأمس. لم تتحرك الوطنية في صدر هذا الصحفي الفذ عندما رأى صفوف التونسيين متجمهرة أمام السفارات الأجنبية تستجدي تأشيرة دخول. لم يحز في نفسه أن الشباب لم يعد يرى المستقبل هنا بل هناك وراء البحار، لا تستثيره دموع الأمهات ولا حسرة الآباء. لا يهمه الشباب الضائع بين مكاتب التشغيل حاملا دبلوماته في يده. لا يكترث لمن غادر ولم يعد لأنه وجد آفاقا أرحب وراء البحار.
ما أحلى بلادنا من غير صحافتنا الصفراء القذرة. ما أحلى بلادنا من غير نفاق وترهدين. ما أحلى بلادنا من غيركم يا صحفيي العار يا قفافة. أيها الجبناء، أكرر: أيها الجبناء من الصحفيين، إنكم دمى من ورق. سيذكر التاريخ أسيادكم إما خيرا أو شرا، أما أنتم فإلى مزبلة التاريخ سائرون.
سيأتي يوم يلفظكم فيه الجسد التونسي كما تلفظ النواة.
Merci beaucoup pour cet article.
مقال جميل و شخصيا يعبر على رأيي زادة...أتمنى أن لا يمسه المقص بسوء...
أحسنت ، مقال رائع !
Merci ! Un grand Merci
مقال تحفون
مدونك رائعة جدا و هدفها أروع
أتمنى لك كل التوفيق
احسنت الرد وان كان مثل هؤلاء لا يستحقون الرد حتى لايقولون يكفي المرء فخرا ان تعد معايبه...هؤلاء لايستحقون اكثر من " احقر الكلب يحقر رو